شمس تموز حارقة، تسدل اشعتها الصفراء تحاكي هشيم الجرد اليابس، المسافات البعيدة تجعلك تشعر كأنك وحيد في ذلك المكان، لكن درجة التأهب القصوى بوجود عدو شرس متغلغل في الجرود تجعلك تستنفر كل ذرة من طاقات جسمك.
كنا أقل من عدد أصابع اليد ونحن نحرر تلك التلة، وسرعان ما لمع في عيوننا بريق الانتصار، وارتسمت على وجوهنا بسمة تؤكّد مشاعرنا، ابتعد رفاقنا ليأتوا ببعض المعدات، وبقيت أنا وحمزة نراقب المكان.
إطلاق نار كثيف انصبّ علينا، نظرت إلى رفيقي وقد طالته رصاصات الغدر وسقط أمامي شهيداً مضرجاً بدمائه، وأنا سقطت أرضاً بعد أن شعرت بسخونة الدماء في خاصرتي وفخذي وما عدت قادراً على الوقوف، لكن عيّني لمحت رتلاً من التكفيريين يتقدمون نحونا بغية أسرنا، وتحوّلت اللمعة في عينّي إلى قوة رهيبة، أهي قوة الحياة؟ أم قوة للانتقام من هذا العدو الشرس؟ وتبادر إلى ذهني أنه يجب أن لا أسمح لهم بأسرنا ما دام بي رمق من الحياة!.
ما زالت يدي على الزناد، فبادرتهم بوابل من رصاصات رشاشي، وكانوا يتساقطون أمامي كالطيور المذبوحة، ما عدت استوعب المشهد، كان جلّ همي مركزّا على إبقاء النار مفتوحة باتجاههم.
الدم ينزف من خاصرتي، يشلّ القسم السفلي من جسمي، لكنني حمدت الله كثيرا، بأن يّدي ما زالتا تعملان، بدليل كل تلك الطلقات النارية التي سكبتها حمماً من سجيل على رؤوس أعدائنا.
كانت اللحظات طويلة، كأنّها دهر، ولم يكن فيها سوى تصويب كل وعي لقتل كل من يقترب منا، أو يظهر أمامي.
وسرعان ما وصل الإسناد إلينا، فأغمضت عينّي مستكينا بين تلك الأيادي الأمينة التي أكملت المهمة، ونصبت علم النصر فوق تلك التلة، لتروي حكاية عز وبطولة، لفوارس المقاومة، في حين نقلت إلى المستشفى لتلقي العلاج كما نقل جثمان رفيقي الطاهر، الذي حمته رصاصاتي المترعة بدمائي.
خسرت كليتي، وربحت وطناً عزيزاً، وعزا لا يضاهى.
ماجدة ريا _ 2 آب 2017