#في_الصين: #كبار_السن #أيقونة_المجتمع

#في_الصين: #كبار_السن #أيقونة_المجتمع

موقع الصين بعيون عربية ـ
ماجدة ريا:

عندما يتقدّم العمر بالإنسان يصبح بحاجة إلى رعاية أكثر واهتمام أكبر، وهو بحاجة لأن يشعر بأنه إنسان حتى الرمق الأخير من حياته.

في الصين ما زال الكبير يلقى اهتماماً كبيراً ومميّزاً؛ فالأمر لا يقتصر على إنشاء دور المسنين، بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

العائلة بشكل عام والحفاظ عليها هي من الأسس المهمة في ذلك البلد العظيم، وهناك محفّزات لكل من يهتم بكبار السن ضمن العائلة، على أن هذا الأمر لا يسقط اهتمامات الدولة بهذه الفئة من الناس؛ إذ قامت بإنشاء مراكز متخصّصة لهم، وقد زار وفد الإتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب  أصدقاء الصين خلال زيارته الأخيرة لمدينة شانغهاي أحد هذه المراكز للإطّلاع عن كثب على كيفية عيش هؤلاء الأشخاص، والنشاطات التي يقومون بها، وكيف يمضون أوقاتهم هناك.

المركز يضم العديد من القاعات المتخصصة وفي مجالات متعددة ومختلفة، الرسم، الرياضة، الموسيقى، الرقص، العزف، الحياكة، التطريز… فلا يفرض على الشخص نمط معين من المشاركة، كل شخص يختار ما يناسبه، والهواية التي يحب ممارستها، فيبدع فيها، ويمضي معها أيامه سعيداً بما ينجز.

لعل هذا الأمر لا يأتي عن عبث، ففكر كونفوشيوس الذي يلقى العناية في الدولة يقوم على “النزعة الخيرية”  التي حددها كونفوشيوس بشكل أساسي: وهي احترام الأبوين والأخوة والأخوات ((المحاورات 1:2)). إن النزعة الخيرية في الكونفوشيوسية لا تقتصر على الأخلاق فحسب، وإنما تشمل معاملة الآخرين بالاحترام، كما أنها، الهادي في ممارسة الشؤون السياسية. وحسب الكونفوشيوسية، النزعة الخيرية هي معيار السلوك الإنساني.

وبالإضافة إلى احترام الكبير، يعتمد على تهذيب النفس من خلال ممارسة الفنون المختلفة من أجل الارتقاء بالذات الإنسانية نحو الأفضل، والاهتمام بأفراد الشعب كافةً من قبل الحاكم، وطبقة المسنين هي جزء من هذا الشعب ولا بدّ من الإهتمام بها ورعايتها بشكل جيد.

كبير السن دائما لديه ما يفعله، ويملأ وقته بما هو جميل ومفيد، وبالتالي يشعر بأنه فرد منتج في المجتمع، دون أن يتحوّل إلى عالة على أحد، فهذه المراكز تتكفل بتقديم كل ما يحتاجه الفرد لإنتاجه، كما تتكفل بتصريف هذا الإنتاج كما يجب.

هذا الأمر متعدد الفوائد، ويعود بالنفع على الجميع، فعندما تشعر هذه الفئة من الناس أنّها محترمة ومراعاة، فإنها ستبدع بإخراج ما في داخلها مما قد يذهل العالم. ما من شك أنها تمتلك الكثير من الخبرات الحياتية، فعمر كل شخص منهم هو مختبر بحد ذاته، ناجح في تقديم الوصفات لعالم الشباب، هذا الشباب الذي بدوره يبادلهم الإهتمام، ويفخر بكل ما يقدّمه لهم هؤلاء الكبار.

عندنا مثل يقول: “اللي ما عنده كبير يشتري كبير” ولكنه يبقى ضمن قائمة الأمثال التي تتلاشى مفاعيلها، ففئة الشباب بالكاد تستطيع الاهتمام بنفسها أمام معوقات الحياة، فضلا عن أن تستطيع الاهتمام بالكبار، الذين أصبحوا يشكلون ربما عبئاً زائداً في ظل غياب اهتمام الدولة بالكبار والصغار.

لكن في بلد كالصين، رغم تعداد سكانه الذي يعتبر الأكبر على مستوى العالم، وعلى امتداد مساحته الشاسعة، استطاعت الدولة أن تولي الاهتمام لكل فرد، وخاصة الكبار منهم.

تدخل إلى تلك القاعة الكبيرة، تجد عدداً من المسنين يتحلّقون حول طاولة بيضاوية كبيرة، وقد انكبّ كل منهم على لوحة أمامه، يلونها بألوان الحياة التي ما نضبت من داخله، وتراها تضج حيوية وجمالا، فينظر إلى إبداعه بعين الرضا، وتتكامل اللوحات لتشكل معرضاً يأنس به المجتمع، فيسارع إلى اقتناء لوحاته كتراث يستحق الاهتمام، وكل ذلك بتنظيم وإشراف من قبل الدولة التي تؤمن كل الاحتياجات المطلوبة لذلك، بدءاً من تجهيز القاعات، وصولا إلى إقامة المعارض.

وفي قاعة أخرى هناك من يمارسون الرياضة حفاظاً على لياقة أجسادهم، فتراهم يُقبلون عليها بشغف، ومن يحب الموسيقى سيجد كل أنواع آلات العزف بانتظاره، ليشارك في تقديم المعزوفات الجميلة والتي هي أيضاً من التراث الصيني الذي يتفاخرون به.

والبعض الآخر يقومون ببعض الأعمال اليدوية التي تعتبر فناً بحد ذاتها، ضمن دائرة الحِرَف، والتي تحتل مكاناً خاصاً لديهم.

لا مكان للضجر في قاموسهم، ولا للتأفّف من الحياة، فكل فرد يستطيع أن يجد ما يلائم اهتماماته، ويجعل حياته غنية بالعطاء، فيفيد ويستفيد.

تصريف الإنتاج هو بيد الدولة، ولعل هذا ما يجعل من الدولة الصينية البلد الأول تقريباً على مستوى الإنتاج في العالم، والمنتوجات الصينية تنتشر في كل مكان وبأسعار مقبولة ومنافسة.

ربما عندما يكون الهدف هو بناء الإنسان والاهتمام به أولا، وبعد ذلك تأتي تراتبية باقي الأمور من ربح وغيره، يصبح بالإمكان تحقيق النجاحات الباهرة على مستوى البشرية.

 

 

عدد الزوار:1619
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.