الغروب

بحثت عن مكان تستطيع أن تركن فيه سيارتها في ذلك المكان المكتظ، ولم تجد… دارت مرة واثنتين في المكان حتى رأت سيارة تهمّ بالمغادرة فأسرعت تأخذ مكانها.

تاهت نظراتها بين الوجوه، كباراً، صغاراً… يسيرون ذهاباً وإياباً على ذلك “الكورنيش”، فهو المتنفّس الأمثل لتلك الكثافة السكانية في هذه المنطقة… فهذا طفل يركض بين يدي أهله الذين يتابعونه بنظرات مسؤولة كي لا يتوه وسط هذا الزحام، وهذا كهل يعدّ خطواته علّها تدفع الدم في جسمه الهرم، وشباب وشابات يهرولون، أو يتسامرون بوشوشات وهمسات يغيب صداها مع صدى الأمواج التي تعانق هذا الشاطىء!

“يا لها من لحظة تأمّل!” حدّثت نفسها برهبة وهي تتكىء على السور وتيمم وجهها شطر تلك الزّرقة الصافية… حاولت جمع امتداده في عينيها، فكان بكبره ووسعه كأنه كل شيء..   إلاّ أن صدى أمواجه التي كانت تتكسّر عند الصخور تحت السور كانت تقول لها “إن كلّ شيء مهما امتدّ وكبر ينتهي عند حدود.”  حاولت سبر أغواره، وأن تخترق صفحته الزرقاء فتمعن النظر لترى رهبة عظيمة بعمق المشاعر، وتتناسى كل الضوضاء التي حولها فيصبح وجودها جزءاً من ذلك اللون الأزرق اللا متناهي! حتى يكاد يلتصق بزرقة السماء…

لكن لوناً أرجوانياً بدأ يتسرّب ليحدّد فاصلاً بين صفحة ترسل اللون وأخرى تعكسها، ويتمدّد ذلك اللون الأرجواني البديع المرسل من ذلك القرص الأصفر القادم باتجاه النهاية والآخذ بالتواري خلف تلك الزرقة الممزوجة بالأضواء!

مرّة أخرى، حدّثتها نفسها قائلة “يا لها من لحظات مشبعة بأجمل ما يمكن أن تنتج المشاعر الإنسانية من حسٍّ بهذا الوجود!…”

 

 

غرب القرص المستدير، بعد أن نشر سجّادة أرجوانية، نارية تبدو لصيقة مع تلك الصفحة الزرقاء، لكنها ما لبثت أن تبدّدت شيئاً فشيئاً في أحضان لون آخر هو بسواده أيضاً من ألوان الوجود!… إنه سواد يفكّ سحر السفر في متاهات الحلم الأرجواني والزرقة الصافية فتزداد وحشة، ويتعاظم سرّها…  أفلتت السور من بين يديها، تراجعت إلى الوراء، واختفت من حيث أتت.

11| 11|2005 _ ماجدة ريا

عدد الزوار:2527
شارك في النقاش

2 تعليقان

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.