الحجاب بين الزي والمفهوم

الحجاب بين الزي والمفهوم


الحجاب بين الزيّ والمفهوم 

.. وانا اقلب صفحات الانترنت، دخلت الى موقع جريدة النهار، وحيث انني اهتم بالشان الثقافي، فتحت صفحة الملحق لافاجأ بمقال للدكتورة منى فياض تتحدث عن تجربتها. فشدني ذلك اكثر للتعرف الى كيفية التعاطي مع هذه المسالة التي تخص المراة بشكل عام، فاذا بها ترى في الحجاب زيا يميز فئة عن اخرى، ويعبر عن هوية المتزمة به. وتشير الى ان اندفاعها نحوه كان فقط نتيجة التاثر بالنساء الجنوبيات اللواتي تصدين للعدو الصهيوني واثبتن وجودهن من خلال هذا الزي الذي يعبر عن “الاختلاف” مع العدو. واذا بها تكتشف بعد ذلك “ان الحجاب يقيد حرية المراة ويمنع عنها التصرف بعفوية تجاه الاخرين”. وهو جعلها تعاني خللا في قدرتها على السمع، كما انه “يصبح خانقا في الصيف الى درجة انها اصبحت سجينته”. وتصف الحجاب بانه “اعتداء على حريتها الشخصية”، وهي تنتقد بشدة “اللون الاسود وثقل الاقمشة والتزام النساء بالحجاب الذي سيؤدي الى الروتين مع ما يفرضه من منع لكثير من الامور الفنية والرياضية”.

لا بد من الاشارة اولا الى انه يبقى لكل منا رؤيته التي يعبر فيها عن تجربته وفق نظرته للامور، فان الحدث ذاته الذي انظر اليه انا بعين ينظر اليه شخص اخرلا بعين اخرى، فتختلف الضمامين او تتوافق وفقا لثقافة كل فرد منا، وفيما قدمت الدكتورة فياض رؤيتها لموضوع الحجاب، فان هذا المقال ليس ردا على ما قدمته، ولانما هو مجرد رؤية مختلفة نابعة من تجربة حية مع واقع الحياة.

الحجاب، قطع القماش التي تلف الراس فتحجب زينته، يمكن تعريفه بهذا الشكل انطلاقا من ظاهره، اما باطنه فأعمق من ذلك بكثير، اذ انه يرسم حدود حياة المرأة التي تلتزم به.

واذ يخمن البعض انه أداة أسر، فانه يمثل للبعض الاخر (أي النساء اللواتي تعاطين معه يجد ووعي وادراك) اداة تحرر. وفي حين يرى فيه الصنف الاول سجنا للجسد وحركته، (وتحرر الجسد هو ان لا تقيده ضوابط ولا حدود)، فان الامر يختلف تماما عندما نتعاطى مع الروح التي هي اسمى ما يميز الانسان ونرقى بها الى مرتبة من المعرفة تصبح جديرة بالتحرر من اسر الجسد وشهواته وغرائزه، فلماذا علينا ان نتصرف بالغريزة بينما ميزنا الله سبحانه وتعالى بعقل نستطيع من خلاله ان نتصرف وفق السنن الالهية؟ لانه في هذه الحال، الضوابط تفقد صورة الاسر لتصبح نوعا من التنظيم في الحياة.

لا اظن احدا من الخلق يرفض فكرة وجود نظام في المجتمع تحكمه ضوابط معينة، وان اختلفت هذه الضوابط بين مجتمع واخر، نسبة الى انتماء كل من هذه المجتمعات.

الانظمة التي وضعت من قبل الافراد او الجماعات جميعها سقطت امام نجاعة الانظمة الالهية، اذ اننا لن نجد من هو اعدل واعقل واحكم من خالقنا كي يضع لنا نظاما لحياتنا. 

وهذا النظام بصريح العبارة هو فرض الحجاب على المرأة، من ضمن الاحكام التي الزمنا بها، وهو اكرم من ان يفرض على الانسان ما يمكن ان يكون في غير مصلحته. فقد نظم حياة المرأة كما نظم حياة الرجل ووضع الحدود بينهما.

ولنتخيل ان هنالك مجتمعا لا تسوده أي ضوابط، وها هو الغريب خير مثال، بافاته وانحلاله الناجم عن ضعف هذه الضوابط وهشاشتها. 

ان التجربة مع الحجاب تصبح تجربة حقيقية عندما نفقه معنى الحجاب بعمقه لا بظاهره، وندرك كنهه وقيمته عندما تصبح التجربة معه ممتعة وجميلة وكاملة الاهداف.
تجربة شخصية

تجربتي مع الحجاب تمتد خيوطها لسنوات وسنوات، تحمل الذاكرة احداثها بشوق و حنين وحنين لتتوقبف بي عند اعتاب ذلك النهار الذي حسمت فيه امري و اتخذت قراري باعتناق الحجاب. نعم، لم يفرض عليّ فرضا، بل عشت في مجتمع يحتوي العديد من التوجهات والتيارات، وكان تيار السفور والتبرج يسيطرلا على الكثيرات، عندها كنت اشعر بفراغ روحي كبير، كنت اشعر دوما بنقص ما يجب ان يملا وبدات ابحث عن ذاتي.. وكم كاتن يملا قلبي نورا صوت الشيخ جليل عندنا في القرية، يخطب خطبة دينية او يعظنا بامر ما، ولا انكر فضل عاشوراء ومجالسها الحسينية التي تدخل الى اعمق عمق في النفس لتحركها.

من هذا الخشوع بدات استمد الايمان واتقرب الى الرحمن، الى ان وجدت نفسي يوما وقد اعتنقت الحجاب، لابدا رحلتي معه وانا في الخامشة عشرة من عمري، أي انني بدات ادرك الحياة.

اخذت اتوغل في تلك الطريق يوما بعد يوم، فكانت تجذبني كلما خطوت فيها، كما تجذب الزهرة فواحة العطر النحلة لتمتص رحيقها. وهكذا كونت ثقافة لا باس بها لانني رفضت ان يكون هذا الامر مجرد زي، بل فهمته قانونا الهيا يجب ان يدرس ويدرس، لاتسلح بثقافة تمكنني من مواجهة العابثين بهذه القوانين.

بدات المس حقيقة الحجاب يوما بعد يوم، فسحرتني هذه التجربة بما امنته لي من راحة نفسية واطمئنان داخلي وسكون لا يوصف، بدات اشعر بان ما هو ليي، لي وحدي وليس للاخرين، واننا احافظ على حرمة هذا الجسد، لي كياني وللاخرين حدود معي، عليهم ان لا يتجاوززها شعرت بان لي ذاتا مقدسة علي ان احافظ على قدسيتها، وكلما اوغلت في ذلك ازدادت طهارة ونقاء. كل هذا اعطاني قوة في مواجهة المجتمع والصمود في وجه ما يحويه من عواصف مدمرة.
مصدر قوة

احمد الله انني كنت موجودة في الكثير من المواقع، وكان حجابي مصدر قوة يحميني من أي ضعف، اضافة الى انه مصدر فخر وسعادة. وقد اختلطت خلال اجتيازي المراحل الدراسية (الثانوية والجامعية) باصناف مختلفة من البشر من مختلف الطوائف والمعتقدات، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل كنت ابني صداقاتي وعلاقاتي بالاخرين، وكان لحجابي صدى مؤثر في نفوس الكثيرين منهم، صدى ايجابي استطعت ان احصله بطريقة تعاطي معهم، حتى الظروف التي قد تبدو قاهرة احيانا، بقوة الارادة كنت احولها لمصلحتي، فلا يخسر انسان امن بالله سبحانه وتعالى وتوكل عليه حاول جاهدا تطبيق تعاليمه، لانه بقدرته هو الذي يجد له من امره مخرجا.

عندما انهيت دراستي الجامعية كان سيفرض علي عدم المشاركة بحفلة التخريج، لانني اعلمتهم انني لن اصافح الرجال حتى اثناء الحفلة، وبعد نقاش حاد مع مدير الكلية حضره بعض الدكاترة والزملاء المشتركين بالحفلة، الذين لم يبدو أي مساندة، اصررت على موقفي، لم اهزم ولم اتنازل عن حقي في حضور حفلة التخرج، ولا عن حقي في اعتناق المبدا الذي اريد، وبارادة صلبة شاركت محافظة على مبادئي وقوبلت عندها باحترام اكبر.

فعندما يدرك الانسان ماذا يفعل وماذا يريد، يستطيع ان يجتاز كل المواقف.

لم افكر يوما بان الحجاب يتوقف عند كونه زيا نحاول ان نر سخه، نفرلاح به في الشتاء لانه يقينا شر البرد، ويضايقنا في الصيف في الجو الخانق، لاننا اذا نظرنا الى الحجاب كفرض الهي نقيسه من خلال علاقتنا بالله سبحانه وتعهالى، وعندما نتذكر حر النار في الاخرة، يسهل علينا حر الدنيا، لا بل سنشعر بان هذا الحجاب حتى في ايام الحر الخانق يعطينا الراحة والامان. وسواء كان هذا الحجاب سميكا او رقيقا، فلا يمكن ان يؤثر بتاتا على السمع ولا على تغيير الاصوات، بدليل ان الالاف – ان لم نقل ملايين المجبات – لا يشكين من أي مشكلة في السمع، كما ان الله اكرم من ان يفرض امرا فيه اذى للناس. 

ان التزام المراة الحجاب لا يحرمها من حقها في ممارسة هواياتها الرياضية ايا كان نوعها، اذ ان هناك نواد مخصصة لنساء او على الاقلا تخصص فترات معينة للنساء، تستطيع المراة ارتيادها وممارسة أي نوع من انواع الرياضة التي تحبها، ومع هذا تبقى محافظة على حجابها. فالرياضة ليست مقرونة بالسفور، وليس بالضرورة ان تنهش انظار الاخرين جسد المراة شبه العاري كي نسمي ذلك رياضة. لن تتعب المراة ابدا عندما يتفهم المجتمع هذا الامر، وعندما اتسود الاحكام الالهية الارض وتطبق سيرتاح المجتمع.

ولا اظن ان التزام النساء بالحجاب سيؤدي الى الروتين والرتابة، فكل الانشطة يمكن ان تزاول ضمن حدودها وضوابطها، وضمن مبدا الفصل بينة ما للمراة وما للرجل، لان لكل منهما خصوصيته التي لا يمكن لاحد ان ينكرها. فالرجل معني بالالتزام بضوابط معينة، وكذلك المرأة، وعندما يلتزم الطرفان بالمقاييس الالهية يرتاح المجتمع من الفساد. 

ماجدة ريا

نشر في جريدة الإنتقاد بتاريخ 19/5/2000 يوم الجمعة

عدد الزوار:2303
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.