تسرّب نسيم عليل من نافذة غرفتها، قادم من تلك الهضاب التي تحيط بمسكنهم الريفي، فأيقظها.

إنه بيت قديم بني على الطراز الفرنسي، مؤلف من طبقتين يعلو سقفه قرميد أحمر، بينما شرفاته صغيرة ومدوّرة الشكل، تشرف على القرية.

في ذلك الصباح الباكر همس النسيم في أذنيها الصغيرتين

” انهضي، سآخذك في رحلة جميلة”

فركت ريم عينيها، تمطّت، رمت الغطاء جانباً واتّجهت مسرعة نحو النافذة لترى أن الضوء قد وزّع نوره في كل مكان.

لم تأخذ وقتاً طويلاً حتى استجابت لذلك النداء الذي أخذ يعلو في داخلها، فبدّلت ملابس النوم بملابس مريحة تساعدها على الركض والحركة لأنها شعرت أن عليها أن تسابق الريح.

بدأت رحلتها مع النسيم بمشية خفيفة وسرعان ما أخذت سرعتها تتزايد إلى أن أخذت تركض وتركض في تلك البراري.

وصلت إلى حقل فيه الكثير من الظباء، وقفت تملأ رئتيها بالهواء، وتمدّ النظر نحوها بإعجاب ظاهر وهي تقول:

“آه ما أجمل منظرها! كم تسحرني تلك النقاط البيضاء التي تشع مضيئة كما النجوم! وتلك الأغصان الصغيرة التي على رأسها! كم أحب هذا الحيوان!”

نظرت إليها، رأتها تركض باتجاه واحد كما لو أنها تتسابق، وما لبثت أن وجدت نفسها تركض وراءها في لهاث لا يتوقّف.

أثناء ركضها بين الظباء كانت أشعة الشمس تحيك على رأسها تاجاً من الزهور البرّية الملوّنة وتضعه على طرحة بيضاء في نصاعة بياض قلبها ونقاء سريرتها.

وتساءلت في نفسها

“لمَ هذه الطرحة لا تعيقني عن الحركة رغم أنها طويلة، طويلة ؟!”

لقد كانت تمتد من مكان وجودها وتلامس أطرافها شرفات منزلها، لكنها استدركت أنها كلما سارت أو ركضت، كانت الطرحة تطول تلقائياً، فشعرت بالإرتياح.

كانت الظباء تدير رؤوسها لتنظر إليها مستغربة وجودها، لكن يبدو أنها لم تمانع في ذلك، لأن الارتياح كان بادياً عليها خاصة بعد أن وهبتها الشمس ذلك الإكليل من الزهور الذي توّج رأسها، فهل ظنّت الظباء أنها تشبهها (رغم أن الأكاليل التي على رؤوسها تظهر كأنها غصون يابسة!)؟

انتهى بالجميع المطاف عند ينبوع ماء غزير، يتفجّر من جبل يسدّ عليهم طريق المتابعة، لكن يبدو أن الظباء كانت على علم بذلك ، وإنما هي تقصد نبع الماء حيث اصطفّ الجميع واحد بجانب الآخر على طول البركة التي تجمع فيها ماء النبع يشربون بنهم من مائه الصافي.

اقتربت بدورها، مدّت يدها، غرفت غرفة من ذلك الماء:

“إنه بارد كالثلج”

تقدّمت إلى النبع، حيث يخرج الماء من الجبل مباشرة، وشربت حتى ارتوت.

كتبت بتاريخ 8/11/2006

ماجدة ريا

عدد الزوار:2229

شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.