أنين الأرض

غيوم

ماجدة ريّا – 23/10/2013  

الهواء تشريني…

ودّعنا أيلول بزخّات كبيرة من المطر، لم يغادر حتّى وزّع على محبّيه روائح الأرض وعطر التراب.

تلك التربة التي تيبّست بعد صيف طويل، فتحت صدرها لتستقبل هذه الأمطار، فتُخرج تنهّداتها فرحاً يدبّ في أوصال البشر، فينتشي الإنسان بتلك الرائحة التي تملأ رئتيه؛ والتي فيها أصله، فهو من التراب وإلى التراب يعود.

تلك الرائحة التي كلّما تنفّس المرء منها حاول أن يستزيد، وفتح خياشيمه ليعبئ منها رئتيه.

تلك الرائحة التي تثير التساؤل دائماً: “هل يوجد منها عطراً معبّأ في زجاجات؟”

“هل نستطيع التخلّص من كل هذا الشغف بها؟!”

ذهب أيلول بعد أن بلّل أطرافه، ووصل تشرين على عجل من أمره، يحرّك الأشجار بصخب، فتتمايل أوراقها برقصتها العجيبة على إيقاع عزف الهواء.

ينفخ في السماء غيومه التشرينية، فتتناثر هنا وهناك، وتتلوّن بمختلف الألوان… هذه رمادية كأنها قطعة أرض زُرعت في السماء، وتلك بيضاء كأن يد مزارع خفيّة قد نثرت منتوجها من القطن، فكدّس بعضه هنا، ووزّعه بخفة هناك.

والأجمل هي تلك التي تبدو ملتصقة بخد الشمس أو بفلقة القمر؛ فترى الألوان القرمزية والنورانية وكل ما تحوي بينها من ألوان قوس الله التي تجمع في ثناياها ألوان الحياة.

ويستمرّ تشرين في طرق الأبواب والنوافذ، فكلما فتحت نافذة، نفذ الهواء إليك ليخترق مسام الجسد والروح، يتسلّل إلى القلب، كثمرة جوز نُزع عنها غلافها وقشورها الداخلية لتصبح شهيّة الطعم، هكذا يشعر الهواء بلذة القلب وما فيه ، ويشعر هذا القلب بمتعة ملامسة الهواء، حتى كأن هذا الهواء ينفض عنه غبار السّبات، فيتجلّى بلون جديد، وحس جديد، ونبض جديد.

لا زالت تلك الأشجار الموشّحة بالإصفرار تتمايل على وقع موسيقى هواء تشرين، تدغدغ العقول كأنّها وشوشة الزمن الآتي ، حاملة معها كل السحر والغموض.

عدد الزوار:2536
شارك في النقاش

4 تعليقات

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.