عطر

كانت الحضارات القديمة بمجملها  تلجأ إلى المداواة بالعطور كجزء من ثقافاتها المنتشرة في ذلك الوقت ، ففي حضارة مصر القديمة مثلاً كانوا يصبون الزيوت العطرية للتدليك ، والاستحمام ، والتداوي ، وينشرون عبقها في الإحتفالات الدينية كما يعبر عن ذلك (جون ستيلي) خبير العطور في لوس أنجلوس ، حتى أنهم استخدموها بعد الموت في تضميخ أجساد الموتى عند التحنيط لصيانتها من التفسخ .

ومن المرجح أن اليونان الأقدمين الذين درسوا الطب الفرعوني ، نقلوا هذه الطريقة للتبخير بالعطور عن المصريين القدماء إلى حضارتهم . وهكذا كانت الحضارات تستفيد من خبرة بعضها البعض ، حتى أن الحضارة العربية الإسلامية كان لها نصيب وافر في توظيف الخلاصات العطرية في الحياة والطب . ويعود الفضل باكتشاف طريقة التقطير للحصول على الزيوت العطرية إلى الطبيب الحكيم المسلم ابن سينا ، وهي لا تزال أكثر الطرق استخداماً للحصول على خلاصة العطور حتى الآن .

أما الأوربيون فهم حديثو العهد بالنسبة للمعالجة بالزيوت العطرية ، وقد تعرفوا عليها بعد الحملات الصليبية التي جاءت إلى الشرق ، وقد أدهشتهم تأثيراتها المطهرة ، فراحوا يحرقونها في البيوت والمباني العمومية ليتضوع شذاها منعشاً ومطهراً .

المداواة بالخلاصات العطرية عادت للظهور بقوة في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين في فرنسا على يد الكيميائي رينيه جاتي فوسيه وبعده توالى عديدون فانتشر هذا النوع من العلاج في الغرب إذ ظهر في بريطانيا ومن ثم في أميركا حيث عقد أول اجتماع للجمعية الأميركية للعلاج بخلاصات العطور عام 1988 .

وهذه الزيوت العطرية تستخدم اليوم في الغرب الصناعي في إضافة النكهات الى الأطعمة ، وتعطير مواد التجميل ، والأدوية المنشطة والمهدئة .

تستخدم الزيوت العطرية ، في العلاج أو الوقاية : بالإستنشاق ، والتدليك ، وفي مياه الإستحمام ، وكضمادات ، وبنسبة قليلة وتحت المراقبة الطبية الخبيرة عن طريق الفم بجرعات قليلة محسوبة بدقة .

ومن الأمثلة على التداوي بالزيوت العطرية ما توصل إليه الباحثون في مستشفى الملكة اليزابيث للأمراض النفسية ببرمنجهام عام 1993 ، وهو أن مرضى الصرع قلت لديهم النوبات وخفت شدتها عندما تدربوا على الإسترخاء باستخدام الزيوت العطرية .

كذلك عام 1994 أظهرت التجارب في مستشفى ” ميدلسكس” بلندن أن مرضى القلب شعروا بتحسن وكانوا أهدأ عندما دلكوا بزيت زهر البرتقال المخفف ” نيرولي” ، أكثر مما لوحظ عليهم عند التدليك المقتصر على الزيت النباتي غير العطري ، أي العادي . وثمة نتائج مشابهة سجلت مع استخدام الزيوت العطرية لجوزة الطيب والناردين  “فاليريان” في تدليك مرضى السرطان بمستشفى “مارسدن” الملكي بلندن.

وهكذا فإن القدماء  استخدموا العطور المستخرجة مباشرة من الطبيعة في المداواة لأنهم وجدوا في ذلك فوائد كثيرة في التخفيف من آلام الإنسان إلى حد الشفاء من العديد من الأمراض ، وكانوا على صواب في ذلك وها هم الأطباء اليوم يعودون للإفادة من العطور الطبيعية في الكثير من المحاولات ، إضافة إلى تأثير هذه العطور الفوري على الإنسان بإضفاء جو من الراحة والطمأنينة إلى نفسه عند التعرض لشذاها الأخاذ .

إلا أن هذه العطور باتت غير متوافرة هذه الأيام بسبب انتشار العطور التي تنتج في المختبرات .. وهذه لها حديث آخر .

ماجدة ريا

عدد الزوار:2621
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.