دور المرأة الرسالي

المقاومة الإسلامية
بقلم ماجدة ريا*
بين خط النار وإعلان الإنتصار شعلة من نور تتوهّج شرراً، تضيء، وتعطي من حيث لا ينضب العطاء.

تعطي من ذاتها أحياناً، ومن روحها أحياناً أخرى، ليكون كل كيانها نابض بأحرف هي ليست كالأحرف، وإنما هي أحرف صنعت من نور ودماء، الميم، والقاف، والألف، والواو، والميم، والتاء المربوطة..

كل حرف ينبض، يهزّ كل الشرايين لإنها تعشقه، وحيث أن المقاومة كربلائية المدرسة، حسينية الهوى، فلا بدّ وأن يكون فيها وجود لزينب عليها السلام، حتى يكتمل مشهد الإنتصار بأبهى حلّة، وأكمل معنى.

لقد كان للسيدة زينب عليها السلام الدور الأبرز في استكمال مشهدية الإنتصار في كربلاء، فبعد أن جسّدت قمة الصبر والتضحية والعطاء والإهتمام بالعيال غداة تلك الواقعة الأليمة، حولّت مسيرة السبي إلى منبر إعلامي تنطلق منه لنشر مظلومية الحسين عليه السلام، ونشر حقائق تلك الواقعة، وتعبئة الناس من أجل مواجهة الظالمين الطغاة دون خوف أو وجل.

تلك هي قدوة النساء الزينبيات اللواتي تعلمن من مدرسة كربلاء، ونهلن من فضائل هذه السيدة العظيمة، ما يجعل مسيرتهنّ مشرقة وهنّ يقفن جنباً إلى جنب مع أبطال المقاومة الإسلامية الفوارس، ويؤدّين دورهنّ بكل شجاعة وجدارة.

فالمرأة في المقاومة الإسلامية كان لها دور هام في مسار هذه المقاومة منذ انطلاقتها حتى إعلان لحظات الإنتصار.. وما زال مستمراً.

هو طريق ذات الشوكة، ليس معّبداً بالأحلام الدنيوية التي يركن إليها البشر، بل هي أحلام لا تُنال إلا ببركة الصبر، والعمل الشاق والمضني، من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى، فكان لا بد من التضحية بالأرواح والمهج والدماء العزيزة، وكانت المسيرة مليئة بالشهداء والجرحى.

وكان العبء الأكبر يقع على عاتق المرأة، أماً كانت أو أختاً أو زوجة أو بنتاً،
وكان عليها أن تتابع المسير، وأن تتكفّل بالعيال وتربّي الأطفال، وتصون المسيرة وتحرسها بشغاف القلب وتوهّجات الروح.
فهي التي تساهم في نمو بذور المقاومة في أنفس أبناء هذا المجتمع، من خلال تحفيز الزوج، وتربية الأبناء، ونشر هذه الروح التي تحتاج إلى الكثير من القوة والجلد والصبر، فيستشهد الشهيد مطمئناً إلى أنّه ترك فلذات أكباده لمن هي كفؤ في تربيتهم كما يحب ويشتهي على النهج الذي عشقه وأحبّه، فبعد كل هذه المسيرة من الشهداء نجد بأن أبناءهم نسخة عنهم بطهرهم وإيمانهم وعشقهم للمقاومة ونهجها بفضل تلك النسوة اللواتي عاهدن أزواجهن على متابعة المسير ووفينَ بعهودهنّ حتى بتن أمام مجتمع أكثر قوة ومنعة، وكل شهيد خلّف وراءه من يحمل راية النضال وباتت المقاومة أكثر قوة بشهدائها ونسائها وأبنائها.

المرأة في هذه المسيرة المباركة لعبت الكثير من الأدوار، وشغلت الكثير من الأماكن، فكانت المعلّمة التي تربّي الأجيال على حب المقاومة، وعلى نهجها وخطاها، وكانت المشرفة والناظرة والمديرة أحياناً.

كانت الطبيبة التي تعالج، وتداوي الجرحى والمرضى، كما كانت الممرضة التي تمسح الآلام وتبث المعنويات…

ووجدناها تشغل الوظائف، وتتواجد في أي مكان يمكنها أن تكون موجودة من أجل إنجاح هذه المسيرة.

لا بدّ من أن نشير إلى الدور المميز الذي لعبته كإعلامية ناجحة، أثبتت جدارتها وكفاءتها، من كاتبة في الصحافة، إلى مذيعة في التلفاز، إلى مراسلة على أرض الواقع جنباً إلى جنب مع الرجل من أجل خدمة خط المقاومة المبارك. ولطالما كان هذا الواقع ملتهباً بحرب ضروس لا ترحم، فتحلّت بالجرأة والشجاعة من أجل إيصال الخبر اليقين، والصورة الحقيقية، ولتساهم في كشف الحقائق في عصر تعيث فيه الآلة الإعلامية المعادية فساداً، لذا كان لا بدّ من تجنيد كل الطاقات رجالاً ونساءً من أجل إظهار الحقائق ومنع طمسها، ونشرها للرأي العام، فكان للمرأة المقاومة الدور الفاعل والبارز في هذا المجال.

إضافة إلى كل ذلك نجد بأن المرأة أثبتت وجودها أيضاً كعنصر فاعل على الشبكة العنكبوتية مع ما لهذه الشبكة من أهمية في سرعة إيصال المعلومة إلى أنحاء العالم كافةً، والتأثير في الرأي العام العالمي، خاصة عندما تعرّضنا للعدوان في حرب تموز، فقد شاركت المرأة الرجل في نقل المعلومات والصور من أجل فضح ممارسات العدو وهمجيته وعدوانيته، والمساهمة في رفع المعنويات من خلال تعريف الناس على ما يقوم به المقاومون الأبطال في جبهات المواجهة مع العدو، ونقل صور الإنتصار دونما تشويش، سيما وأن هناك الكثير من الأعداء والمغرضين الذين لطالما سعوا إلى تشويه صورة المقاومة وباءت محاولاتهم بالفشل حتى انطبقت عليهم الآية الكريمة “يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون” ، فكان الناس يزدادون التفافاً حول المقاومة وقيادتها الحكيمة وأبطالها الأشاوس، وازدادت المقاومة قوّة بكامل أبنائها.
ولا زالت المرأة في سعيها الدؤوب من أجل المحافظة على هذا الخط المقاوم الشريف.

ومن المساندة بالدور الإعلامي، إلى دور إعلامي آخر، وهو الدور الرسالي الذي تؤديه داخل المجتمع، وهي تحمل همّ المقاومة، فكانت المُحاضِرة التي تُلقي المحاضرات الثقافية والإجتماعية والدينية من أجل بث المزيد من الوعي بين أقرانها من النساء، ومنهنّ مَن يُقمنَ الإجتماعات في البيوت لتأدية الهدف ذاته، وهو نشر فكر المقاومة وحمايتها من كل ما يحاك ضدها، وتمكين النساء من القيام بدورهنّ كمربيات فاعلات نجيبات لجيل المقاومة كي يحافظنَ عليها شعلة لا تنطفىء. ولا نغفل هنا مراكز التدريب والتأهيل التي تشرف عليها نساء قديرات، يسعينَ إلى تطوير دور المرأة على كل الصعد وجعلها كفوءة للقيام بهذا الدور العظيم المنوط بها في المجتمع.

يمكننا القول أن دور المرأة يتكامل مع دور الرجل في هذا البناء العظيم الذي اسمه مقاومة، ولا بدّ من أن تكون المرأة كفؤاً للرجل حتى يستمر هذا البناء في تحليقه نحو الأعالي.
ومن هنا نتوجه بتحية الإجلال والإكبار لكل من عمل في هذا الخط المقاوم من رجال ونساء، هؤلاء الذين حققوا الإنتصار، وحملوا في دواخلهم سرّه العظيم، واستمروا في التضحية ليحافظوا على هذا العطاء الآلهي.

 

عدد الزوار:1804
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.