تأهيل المرأة في المجتمع: سعي نحو الكمال

تأهيل المرأة في المجتمع: سعي نحو الكمال

العلم نور
تأهيل المرأة في المجتمع: سعي نحو الكمال

دفع تطوّر الوعي في المجتمع إلى أن تسلك الفتاة طريق العلم إلى جانب الفتى، فتدرس وتتعلّم لتسهم في بناء المجتمع، وتفيده من علمها ومعرفتها.

على أن هذا الطريق الذي تسلكه الفتاة قد يقصر أو يطول تبعاً لوعي أهلها ولرغبتها، خاصة أن الفتاة تكبر بسرعة، وكثيرات قد يتزوّجن في المراحل الأولى لشبابهنّ، وهنّ في هذا العمر ما زلن في مراحلهنّ الأولى من التعليم، ربما أنهينَ الشهادة المتوسّطة، وربما البعض منهنّ استطعن بلوغ المرحلة الثانوية، وقد لا ينهينها. وبالتأكيد هنالك شريحة مهمة وُفّقت لأن تتابع الدراسات الجامعية وما فوقها لتصل إلى مراحل متقدّمة من التّعلم، وهؤلاء لا بدّ أنهنّ كافحن كي يصلن إلى هذا المستوى، واخترن أن يتابعن حتى آخر الطريق.

ونبقى مع الشريحة الأولى من الفتيات اللواتي ارتبطن باكراً بتكوين أسر، فكان عليهنّ تحمّل عبء المسؤولية التي تترتب عن هذه الأسرة، وهو ليس بالسهل أبداً، فهذه المسؤولية هي وظيفة المرأة الأساس التي هي من أشرف وأقدس الوظائف التي تمارسها المرأة، كما يفرض عليها الواجب الديني والأخلاقي المحافظة عليها أولاً. لذا فإن أي تقصير في هذه الناحية يلقي بحمل المسؤولية على كاهلها قبل أي أحد آخر.

ويمكن القول إنّ تكوين الأسرة ليس مجرّد زواج وارتباط وإنجاب للأطفال، إنما هو قدرة على الحفاظ على الأسرة من جهة وسط هذا الانفتاح الكوني العجيب والواسع الذي يدخل الكثير من المشاكل إلى البيوت، ومن جهة أخرى هو القدرة على التربية الصحيحة للأبناء. ولعلّ المرأة هنا هي التي تضطلع بالدور الأكبر، لأن الرجل يخرج إلى العمل ساعات طوالا بينما هي ترعى مسؤوليات المنزل والأبناء.

ومن هنا كان يتحتم على هؤلاء النساء أن يعتنين بتحصيل ثقافة تعينهنّ في رحلتهنّ الحياتية هذه، وحتى اللواتي أنهين دراساتهن الجامعية يحتجن إلى زيادة ثقافتهن وتعميقها وتطويرها دائماً نحو الأفضل، فرحلة العلم والتعلم لا تنتهي.

ما زال الكثير من النساء في مجتمعاتنا يعشنَ بتلقائية أشبه بالعشوائية الإيجابية نوعاً ما باعتبار أنهنّ يُغلّبن الفطرة في تصرّفاتهن، فيسعين إلى المحافظة على بيوتهن وتربية أبنائهن وفق ما تمليه عليهن فطرتهنّ السليمة النشأة في أغلب الأحيان، برغم أن هؤلاء النسوة يملكن الكثير من الوقت من أجل تحصيل معرفة ولو أوّلية تعينهنّ في ترتيب أمور حياتهنّ وتنتقل بهن إلى وضع أفضل.

بالدرجة الأولى يجب على الفتاة أن تعتبر أن رحلة التعلّم لا تنتهي بتوقّفها عن الدراسة المنهجية التي ترقّيها بنيل الشهادات، وإنما يجب أن تسعى بشكل دائم لتطوير معارفها، ولجعل ذلك حاجة في نفسها تستحقّ الاهتمام والمتابعة وإعطاءها الوقت الذي يساعدها على النمو وفقاً لطاقاتها وإمكانياتها ووقتها. وعندما تبدأ بهذه النقطة ستندفع في البحث عن كيفية تحقيقها، والوسائل كثيرة، خاصة في أيامنا هذه.

يمكن استغلال التلفاز والإذاعة في متابعة البرامج الثقافية والحوارية بدلاً من قضاء الوقت في متابعة المسلسلات التلفزيونية أو البرامج التي لا فائدة منها، عدا عن أن بعضها قد يكون مجلبة للإثم.. وحث الأولاد على الاستفادة في اختيار البرامج المفيدة، وهذا من أبسط الوسائل المتوافرة تقريباً للجميع.

جهاز الكومبيوتر بدأ يدخل معظم البيوت، والأطفال يدرسون عنه في المدارس، ويمكن للأمهات أن يتعلّمن من أولادهن كيفية العمل عليه، ويمكن في مراحل متقدمة أن يتعلمنَ منهم كيفية الدخول إلى عالم الإنترنت.

هنالك الوسيلة الأكثر نفعاً وهي المطالعة، ولعل هذه الوسيلة دونها عراقيل يمكن تجاوزها. ففضلاً عن أن المجتمع بمعظمه لا يجنح نحو القراءة والمطالعة، فإنّ النساء قد لا تتمكن من شراء ما يحتجنَ من كتب لتثقيف أنفسهنّ بسبب قلّة المدخول أو انصرافهنّ إلى صرفها في أماكن أخرى. فكثيرات مثلاً يملأنَ بيوتهنّ بالتحف وقد لا تجد عندهن كتاباً واحداً، أو ربما تجد ما يعد منها على أصابع اليد، هذا بسبب عدم الاهتمام بالقراءة بعد أن ينهي المرء دراسته الأكاديمية. مع العلم بأن القراءة هي غذاء للروح، ويمكن أن تضاعف نمو العقل وتزيده ألقاً، وهي لا تنتهي في أي مرحلة من مراحل عمر الإنسان، بل ترافقه إلى ما لا نهاية.

حبّذا لو تلتفت النساء إلى هذه المسألة، ويسعين إلى زيادة معرفتهن، حتى لو تبادلن الكتب في ما بينهن، فإن ذلك سيغني معرفتهن.

وحبّذا لو تقام المكتبات العامة التي توفّر لهؤلاء النسوة الكتب اللازمة مع تشجيعهنّ على القراءة. في بيروت نجد هذه المكتبة في الضاحية، وهي تتمثل بمركز الإمام الخميني الثقافي، وفروعه موجودة في الكثير من المدن الكبيرة، ولكن حبذا لو يُعمم وجود هذه المراكز لتكون في القرى والبلدات. لا بد من تشجيع الناس على القراءة، خاصة النساء اللواتي يملكن الكثير من الوقت الإضافي ويستطعن الإفادة منه ليفدن أولادهن أولا، ومن ثم المجتمع بعد ذلك بثقافتهنّ. ولا ريب بداية أن هؤلاء النسوة يحتجن إلى برامج مشجّعة على القراءة من أجل دفعهنّ لذلك.

هنالك أيضاً المعاهد الثقافية المنتشرة على امتداد مساحة الوطن، التي تقيمها جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، إذ يمكن للنساء اللواتي أصبح أولادهن في عمر الذهاب إلى المدرسة الالتحاق بهذه المعاهد التي تؤمّن لهن رصيداً ثقافياً عالي المستوى يساعدهن في صياغة معرفتهن من أجل أداء دور أفضل وأكبر في المجتمع.

السعي نحو المعرفة يجب أن لا يتوقّف أبداً، وعلى المرأة بشكل خاص أن تحاسب نفسها على كل دقيقة كيف أمضتها، وكيف استفادت منها أو أفادت فيها، فأي تطوير لثقافتها أو مهاراتها سينعكس إيجاباً على عائلتها وعلى أولادها وعلى ذاتها، لأنها ستشعر بأهمية عطائها ووجودها كإنسان يسعى نحو الكمال، بدءاً بذاتها وانتهاء بالمجتمع.

ماجدة ريا

عدد الزوار:2289
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.