عندما يبكي القمر

عندما يبكي القمر

ليل الحرب رعب…

عندما يهدأ كل شيء ويستكين، ليزمجر صوت الطائرات وانفجارات صواريخها، يصبح الصوت أكثر إرعاباً.

القمر يتوسّط السماء، يصغي لما يجري، يسمع بعض الوشوشات، يصغي أكثر ليعرف ما الذي يدور تحت سقف ذلك البناء، وما الذي يحضنه، فقد تهادى إليه من داخله همهمات محببة، تذكّره بدفء ليالي الأحبة التي يحن إليها.

 

 

يسترق السمع أكثر وأكثر من بين أزيز الرصاص، وهدير المدافع، وصدى الصواريخ… فيتناهى إلى سمعه حنين أمهات يناغين أطفالهن، عسى أن يسكنوا، وقد أرعبتهم تلك الأصوات، وبعض العجائز يتقوقعن في الزوايا، يتساءلن هل من نجاة؟!

ذلك البناء في قانا، كان يحضنهم، يحاول أن يدرأ عنهم ما يخافون، أن يهدّئ من روعهم، لكنّ الأصوات وأصداءها كانت أقوى منه، تبث الرعب في المكان.

ويهتزّ القمر في مكانه، وتتأرجح نظراته بين أمهات خائفات على أولادهن، وأطفال يختبئودن في أحضانهن، وعجائز لا يعرفن ماذا يفعلن.

لحظات سكون نزلت، آلة الرعب تنحسر لسبب ما لم يعرفه أحد، لم يكن الجمع المحتشد في ذلك المكان يعرف ماذا ينتظره، فاستغل الأطفال اللحظات الهادئة كي يتركوا لجفونهم فرصة الانطباق بعدما حرمتها أصوات القذائف من ذلك على مدى ساعات.

وفجأة، انكسر جدار الرعب، وتجسّد دماراً مزلزلاً على رؤوسهم، فتشظّت الأجساد، وتهاوى الأطفال، وسالت الدماء!

وتململ القمر في السماء، يتساءل عن حقيقة ما جرى!

هل ما زلت أنير أرض البشر؟ أم أنني نُقلت على حين غفلة إلى بلاد طغى فيها الشر وعربد، حتى عرّش بعربدته على جثث الأطفال وتفرعن حتى قتل ودمّر.

أما زلت أنا القمر؟!

ويسمع ضجة ملائكة السماء، بأي ذنب يقتل هؤلاء الأبرياء؟

أفقط لأنهم جاوروا أهل التلمود؟!

أو لأنهم أرادوا أن يعيشوا على أرضهم بسلام؟!

وينوء الليل بحمله الثقيل، ويتشقق فجر يوم جديد، محاصر بالنار والحديد، وترتفع الشمس بخجل في السماء، ترسل أشعتها لتحتضن هؤلاء، تدثّرهم بها، وتحوّلهم إلى نور.

نور يضيء العالم ويسطّر فيه العِبَر

نور يرسم طريق الحرية مزدانة بالعزّة والكرامة.

ولا زال القمر في عليائه، يبحث عن الدفء والحنين، أين يجدهما؟  لقد توزّعا في عيون الأمهات والأطفال والعجائز؛ لكنه بات يخاف أن يراقب أو يسمع، بعد أن تتالت المجازر، وتوالت الآهات والأنّات فبات لا يطيق ما يرى.

في ليلته الخامسة عشرة، ظهر بكامل وجهه، لكنه وعلى غير عادته، اختفى بياضه الناصع، وامتقع لونه، حتى غدا وردياً بلون الدماء نورُه وهالته التي تلفّه.

فهل كان يبكي دماً لأولئك الأبرياء؟ ومناظر الأطفال تتوالى عليه تترى من تحت الركام؟!

ربما!

لكن، لم تطل فترة الحداد

سرعان ما استعاد القمر لونه، وتلألأ ببياض الإنتصار، وهو يرصد ضحكات المقاومين عند الثغور، وهم يهزؤون من جنود الأعداء، وينتقمون لدماء الأبرياء.

وعاد لينير دروب الأباة، ويروي للتاريخ ما يرى.

كتبت بتاريخ 21/8/2006

ماجدة ريا

عدد الزوار:2286
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.