الإعاقة ما بين الماضي والحاضر

الإعاقة ما بين الماضي والحاضر

الإعاقة كلمة تتردد على الألسن، ما إن تسمع بها حتى تطرق حوافي القلب وتجعله ينتبه إلى أن هناك حالة انسانية تلامس شغافه وتضعه أمام امتحان التجربة، سواء في
تلقي الإصابة أو التعامل مع أصحابها. 

فالإعاقة هي عدم قدرة الفرد على اكتساب الطاقات الكاملة أو إنجاز المهام والوظائف التي تعتبر طبيعية لهذا الشخص، ما يؤدي إلى انخفاض قدرته في أداء دوره الاجتماعي نتيجة للضعف أو التدريب غير الملائم لهذا الدور. إلاّ أن الإعاقة هي كلمة شاملة تُستعمل للإشارة إلى العديد من الأنواع والأنماط والمراحل المختلفة من عمر الإنسان، سنأتي على ذكرها وتفصيلها في مواضيع لاحقة ان شاء الله تعالى.


 

وتنتشر الإعاقة على مستوى العالم بأسره، بحيث نجد أن حوالى 10 إلى 12 في المئة من سكان العالم يعانون منها. وهذا الأمر فرض نفسه على المجتمع الدولي الذي بدأ

 

يحاول ايجاد السبل الكفيلة بضمان حقوق هذه الشريحة من المجتمع.
في العصور القديمة كانت الإعاقة سبباً كافياً لشقاء من يعانون منها وعلى صعيدين: الأول يشمل بؤس الإعاقة بحد ذاتها، والثاني هو بؤس عدم تقبّل المجتمع لهذه الإعاقة، إلى درجة أحياناً تصل إلى صدور حكم التخلص من هؤلاء المعوّقين دون رحمة، إما بسجنهم بشروط قاسية، وإما بنفيهم بعيداً عن الناس، وإما بتعريضهم لظروف قاسية وإهمال شديد يجعلهم يلقون حتفهم.

استمرّت الحال هكذا إلى أن جاءت الديانات السماوية التي تدعو إلى الرحمة والرأفة بالإنسان عامة، وبالإنسان المعوّق خاصة، لأنه يحتاج إلى رعاية خاصة وإلى المساعدة والتأهيل للاستمرار في هذه الحياة.

وقد برز في التاريخ الحديث الاهتمام بالمعوّقين خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، التي نتج عنها ملايين المعوقين، فسعت عندها المجتمعات الإنسانية إلى العمل على إعادة تأهيل المعوقين، وإعطائهم الاهتمام الطبي الكافي الذي يساعدهم على الاندماج بشكل إيجابي مع المجتمع.

وبدأت النظرة إلى حالات الإعاقة تتطور يوماً بعد يوم بشكل تصاعدي وإيجابي إلى أن وصلنا إلى مجتمع القرن الحادي والعشرين، حيث بات التقصير في مجال رعاية المعوقين وتأمين حقوقهم واحتياجاتهم يشكل وصمة عار في جبين أي مجتمع، وبات التقدّم الحضاري للأمم يُقاس بمدى اهتمامها بالفئات الخاصة في المجتمع، وأهمّها فئة المعوّقين. ومع ذلك لا يمكننا القول ان المعوقين يعيشون اليوم في أحسن حالاتهم، إذ يبقى الأمر نسبياً بين بلد وآخر ومجتمع وآخر، تبعاً لدرجة الوعي الذي يتمتّع به أفراد أي مجتمع، وهذا أيضاً يحدّد التمايز في المعاملة مع المعوقين حتى ضمن المجتمع الواحد، كما يحدد ذلك مدى تقدم البلد وتطوّره وقدرته الاقتصادية على تأمين حاجات المعوقين من مؤسسات رعائية خاصة بهم، وغير ذلك من مستلزمات الحياة الخاصة بكل نوع من أنواع الإعاقة.

ففي البلدان المتطورة نرى مؤسسات كثيرة ومتخصصة في رعاية جميع أنواع الإعاقة وتقديم كل الخدمات المعيشية لهم، بينما ما زلنا حتى يومنا هذا نشهد أن بعض الناس في أماكن كثيرة من بلداننا العربية، يتعامل مع صاحب الإعاقة كما في العصور القديمة، بحيث يخجل البعض من حالة نسيبه المعاق، فيفرض عليه سجناً بحيث لا يراه سوى الأقارب، ويمنع عليه التحرك أو الظهور. والفارق هو أنه ربما يعاملونه برأفة ومحبّة، ويسهرون على راحته، وربما يتفانون في خدمته، ولكن دون أن يسمحوا له بالانخراط في المجتمع كفرد من أفراده يمكن أن يحرز فيه نجاحاً على مستوى الحياة، قد لا يستطيع تقديمه الأشخاص الأصحّاء أنفسهم.

إضافة إلى ذلك ما زالت الكثير من الدول تعاني عدم توافر الأمور التي تسهّل على المعوّق اندماجه في المجتمع، كأن يكون لهم مرافق متخصصة بحالاتهم في المنشآت والأبنية والمدارس، بحيث تمكن المعوّق من التنقل والحضور في كل الأماكن دون صعوبة تذكر.


لا بدّ من أن يكون هنالك توعية على مستوى المجتمعات بحقوق المعوقين، ويدخل في صلبها إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع، وتخليصهم من النظرة الدونية التي يُنظر فيها إليهم، مع منحهم حقوقهم كأشخاص، إضافة إلى تأمين المرافق التي يحتاجونها من قبل الدولة. وهذا ما يحاول المجتمع الدولي السعي إليه من خلال اللقاءات والمؤتمرات التي تعقد على مستوى الدول والجمعيات التي تُعنى بهذه الشؤون. وقد أثمرت هذه الجهود في السنوات الماضية اتفاقية حقوق المعوقين، وهذه الاتفاقية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة مع بروتوكولها الاختياري بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2006، وفُتح باب التوقيع عليها في 30 آذار/ مارس 2007، وحتى الآن وقّع 130 بلداً على هذه الاتفاقية، من بينها 37 بلداً صدّقت عليها. وعلاوة على ذلك صار التعداد السكاني واستقصاء الأسر المعيشية يدرج أسئلة عن الإعاقة بشكل متزايد.
كما أن وعي العالم بأهمية التعامل مع الإعاقة في إطار أجندة التنمية آخذ في التزايد، إذ تعزز هذه الاتفاقية العمل عبر مختلف القطاعات لتحقيق التكامل الشامل. وقد أثرت الاتفاقية بالفعل ولا تزال في المساعدات الإنمائية الدولية، وكذلك مشروعات البرامج التي يتبعها البنك الدولي.

وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 3 أيار/ مايو 2008.
الاتفاقية لم تضع حقوقا جديدة للأشخاص المعوقين المقدر عددهم بنحو 650 مليون شخص في العالم، إلا أنها تهدف لضمان تطبيق الحقوق التي نصت عليها سابقاً، كي يستطيع الأشخاص التمتع بها.

يجب على الدولة التي تُصدّق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أن توافق على أن تكون ملتزمة قانونا بمعاملة الأشخاص ذوي الإعاقة كأفراد خاضعين للقانون وذوي حقوق محددة تحديدا واضحا، مثلهم في ذلك مثل أي شخص آخر. وعندها سوف يتعين على هذه الدولة أن تقوم بتعديل تشريعاتها الداخلية لكي تتماشى مع المعايير الدولية التي وضعتها الاتفاقية.

إنها خطوة مهمة في سبيل تطوير المجتمع البشري، وإن كانت لا تزال في بداياتها وتحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت والمتابعة والتعاون بين الدول والجمعيات، من أجل الاهتمام بهذه الفئة الضعيفة من المجتمع، وتحويلها من فئة تشكّل عبئاً إلى فئة فاعلة ومنتجة.
الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009
ماجدة ريا

عدد الزوار:2897
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.