شكوى النور

صمت يلفّ المكان، ظلام يبدّد عتمته نور منتشر، جلستُ أحاكي ضوء القمر، وأنسج منه عباءة فضية، مطرّزة بألوان نورانية؛ وإذا بشذرات النّور تتجلّى، وتتجسّد من مشكاتها حورية؛ من روعة الجمال استمدّت صورتها، ومن ثوب الكمال ارتدت حلّتها.


 

لاحقتها عيناي، وهي تطير كفراشة مزهوّة بألوانها، وحطّت قبالتي. التقت العينان بالعينين، عيناها دامعتان بحجم التيه.

” لِمَ الحزن يا صغيرتي وأنت الحرّية التي تطيرين في كل فضاء؟!”

أخرجت يديها من تحت عباءتها البيضاء التي كانت تلفّها كملاك، نظرتُ إليهما، مكبّلتين بسلاسل من حديد.

” من فعل بك هذا؟!”

من بين دموعها أجابت ” الناس، يكبّلونني في أعماقهم، ويزعمون أنني لست موجودة! انظري كم من ظلال الحرّية ترين؟ انظري حولي انهنّ يملأن الفضاء”

رفعت نظري، التهبت مشاعري، وجُنّ فؤادي. حوريات جميلات مكبّلات، أنوار موضوعة في قيود، ألوان مضيئة تتراقص وتختفي خلف السلاسل…

” لماذا يُكبّل النور؟”

” أنا التي تسأل لماذا يكبّلونني ثم يزعمون أنني لست موجودة؟!  ها أنا أملأ الفضاء بوجودي، أنا موجودة، أنا أُخلق مع كل إنسان”

” إني أراك”

” لم لا يراني بعض الناس؟!”

” لأنهم لم يدركوك، فأنّى لهم أن يروكِ؟”

” يحطّمونني بالهمجية، يضيعونني بالتصرّفات اللاّ مسؤولة؛ أنا لست كذلك، أنا أكبر من ذلك بكثير

لا زلت أحدّق بها، وهي تشكي مأساتها بألم وحسرة ودموع؛ ثم قالت:

“أتعرفين، أشعر بحقيقة وجودي عندما يُقال لأحد أنت حرٌ أبيّ”

حاولت التّخفيف عنها، فقلت لها:

“لا تحزني، فعندما يدرك المرء كنهك، لن يعجز عن تحقيق وجودك أبداً”

” لكن أغلبهم يبتعدون، ويبتعدون، ينتشرون في طرقات ضيّقة، وفضاءات أضيق؛ فيخنقونني بأيديهم ثم يبحثون عني باكين”

” لكنك موجودة في أعماق الكثيرين، وهم يؤمنون ويدركون أنّهم أحرار”

هزّت رأسها الصغير، ابتسمت لكلماتي الأخيرة، فردت جناحيها وطارت، ولا زالت عيناي تلاحقانها إلى أن بلغت القمر.

ماجدة ريا

كتبت بتاريخ 10/4/2006 .

عدد الزوار:2253
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.