في جنة الشهداء
أيّ سكون، أيّ هدوء يسطو على الروح، وكأنّها ما عادت تسكن في الجسد، ما إن تقف عند بابها، وترمق تلك الأضرحة الصامتة، حتى ينتابك شعور غريب، شعور من السكينة التي تلغي كل العذابات، وتجعلك فقط تتذكّر أنّك في جنة الشهداء. لعلّها حقاً قطعة من الجنّة.
هو السلام بكل ما يعنيه يتجسّد هنا، فسلام على الشهداء.

أنجزوا ما عليهم، حرروا الأرض جنوباً وشمالاً، ومضت أرواحهم راضية مرضية، حتى ارتقت إلى الجنان.
من هناك عيونهم تنظر إلينا بألم وحسرة على واقع بلد مأزوم، كانوا يظنون أنهم أهدوا هذا البلد سلاماً جميلاً وحياة طيبة، لكن وهم يراقبون حال المأساة في بلدنا يتألّمون.
لطالما كان هنالك من يسيء إليهم أثناء حياتهم، وبمختلف أنواع الإساءات، ويعرقلون في هذا البلد الحياة، ويلصقون التهم بأهل المقاومة، بينما هم أصل الفساد، بل هم الفساد نفسه!
يرهنون البلد لحساباتهم الضيقة، لأطماعهم الشخصية، ولنزواتهم العصبية، لا ضمير يردع، ولا ايمان بوحدة هذا الوطن، بإرادتهم أو مرغمون على ذلك، يديرون ظهورهم لحق الوطن والمواطن، ويتصرفون بمزاجيتهم الحمقاء، يأخذون البلد إلى الهاوية، ولم يبق إلا أن يرموه بها.
تعب الناس… وهم لم يتعبوا من ألاعيبهم وأكاذيبهم، مستمرون في سياسة الدهس لكل جميل، حتى لم يبقوا في هذا البلد ما هو جميل!…
بلى وحق الله لن يستطيعوا دهس ما أنجز من عزة وكرامة، لن يستطيعوا محو آثار دماء الشهداء، فهي مغروسة في الأرض، تفيض بها في كل حين، وتنبت سنابل وياسمين، رغماً عن أنوفهم المزكمة بما أفاحوه من روائح نتنة، أحاطوا أنفسهم بها، أما نحن، أهل المقاومة فلا زلنا نتنفس عطر الشهداء، الذي يعبق في أماكننا التي أرادوها بائسة، ففي كل حي من أحيائنا لنا شهيد أو أكثر، أنوارهم تسطع، تعدنا بالخير العميم، ومن يظن أنه سيكسر شوكتنا فهو واهم واهم.
اليوم قالها السيد نصرالله بالفم الملآن “التواضع في لبنان غلط” تواضعنا كثيراً حتى ظن البعض أنه قوي وأننا ضعفاء!
أردنا السلام لهذا البلد، ودائماً كان أهل المقاومة يتنازلون عن الكثير من حقوقهم من أجل الحفاظ على السلم الأهلي، فيتمادى الآخرون في غيّهم وطغيانهم، وبعد ذلك يلصقون التهم بخط المقاومة!
لا بدّ وأن يأتي وقت الحساب، يجب أن يحصل كل صاحب حق على حقه، فإن التحمّل له حدود، والتجمّل بالصبر له نهاية، يا شركاءنا في الوطن! نحن شركاء في الوطن!
هذا الوطن الذي لم تفعلوا شيئاً من أجله سوى طعنه ثم طعنه ثم طعنه، ولا زلتم تفعلون، وتطعنون بظهر كل من يحميه ويعزّه، لكن دماء شهدائنا أقوى منكم ومن جبروتكم، ومن كل ما تظنون أنه حاميكم.
في يوم الشهيد، نجدّد العهد لدمائهم الزكية، أننا سنحمي دماءهم، كما هي تحمينا، وسنحافظ على هذا البلد ونبنيه حتى يزهر من جديد.
ماجدة ريا

عدد الزوار:2386
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.