كيف نربي أطفالنا ؟

طفولة بريئة

الطفل هو تلك الهبة الإلهية التي تزين حياة الأسرة ، وهي هبة توجب على المرء أن يعرف كيف يحافظ عليها ويصقلها فيحسن التربية والأداء تجاه الأطفال الذين هم نواة المجتمع ، ورجال المستقبل .

من أين تبدأ تربية الطفل ؟ هل منذ الولادة ؟ أم في مراحل متقدّمة من عمر الطفل ؟

تعتبر الدكتورة مريم سليم مستشارة وخبيرة في الشؤون التربوية والنفسية في المنظمات الدولية ” أن تربية الطفل تحتاج إلى إعداد مسبق من قبل الوالدين ، بحيث أنه عندما يقرر أي شخصين الزواج ، يجب أن يعدّا نفسيهما لطبيعة المرحلة المقبلة ، وهي ليست مرحلة سهلة أبداً ولا ترتكز فقط على التصرف الفطري كأم أو كأب ، لأن الأمومة والأبوة ليستا وظيفتين بيولوجيتين، وإنما يجب أن يتحضّر الوالدان لهذه المرحلة قبل استقبال المولود فيبحثان عن كل ما من شأنه أن يدعم معرفتهما بالأمور التربوية والإطّلاع عليها من مصادرها لأن هذه المرحلة تحتاج إلى كثير من الوعي والإدراك للمسؤولية الجديدة الملقاة على عاتقهما وكيفية تحمّلها ، فيعدّان نفسيهما لتقبّل هذا المحبوب الصغير والتضحية من أجله .”

أما الدكتورة كرستين نصار فتقول : ” تنطلق مقومات الأمومة من حدس الأم التي تعرف ، بالفطرة ، الكثير مما يحتاج إليه طفلها منها ، ومع ذلك ، تحتاج لأن تتعلم الكثير كي تكون على مستوى ما يتوقعه منها” ، وتعتبر ” أن أحد أول وأهم مقومات دور الأم إلى جانب الطفل يكمن في الحب ، وهو أحد ركائز الطمأنينة الثلاث : الحب والثبات والتقبل ، وهي الركائز الضرورية لنمو الطفل العاطفي والنفسي . ”

فالأم الناجحة هي التي تقبل التضحيات على حساب وقتها وصحّتها من أجل أطفالها ، فكثير من النساء الناجحات في أعمالهن والرائدات في المجتمع يعترفن بأن هناك مرحلة ما من نمو أطفالهن كنّ يضحين بكثير من الأوقات والأعمال من أجل أطفالهن وبعد ذلك حققن النجاح الذي يصبين إليه . فمن الخطأ الفادح أن تترك أمور تربية الطفل للخادمات ، أو حتى مسألة الاهتمام بهم ، فالخادمة ـ إذا كانت موجـودة ـ يجب أن يقتصر دورها على الأعمال المنزلية فقط ، حتى وإن كانت الأم عاملة فعليها أن تضحي ببعض الوقت من أجل الإهتمام بولدها وتلبية حاجاته بنفسها ، وبمحادثته والتقرب منه ، فكثير من الأطفال الذين تترك رعايتهم للخادمة ، يتأثرون سلباً بها ، بحديثها وعاداتها وأسلوبها في الحياة ويبتعدون عن التأثر بأهلهم مما يسبب لهم الضرر الكبير. ولا يجوز إهمال الطفل لأن الابتعاد عنه  سيشعره بالحرمان العاطفي وهو كما تقول الدكتورة نانسي الموسوي ” يؤدي إلى تأخير نمو الذكاء على الأقل ثلاث سنوات عند هذا الطفل “، والأطفال الذين لا يحظون بالعاطفة الكاملة يشعرون بفقدان الثقة أولاً بأنفسهم ومن ثم بالآخرين .

إن إشباع عاطفة الطفل لا يعني الإفراط في تدليله دون أي حساب ، فالدراسات التربوية والنفسية تظهر أن نسبة كبيرة من الجانحين ينتمون إلى أسر دلّلتهم دون أن تربي فيهم الإرادة ، لذلك هنالك معايير للتعاطي مع الطفل يجب الإلتفات إليها .

من الضروري إقامة علاقة مع الطفل والتحدّث إليه منذ ولادته ، فهو وإن كان لا يستطيع التجاوب في المراحل الأولى من عمره إلا إنه يرى، يسمع ويسجل كل ما يدور حوله .

ولا بد من تنظيم حياة الطفل دون أن يفسح له المجال بالسيطرة على الأهل كأن يستخدم أي وسيلة كالبكاء أو الصراخ من أجل تلبية رغباته، مع الأخذ بعين الاعتبار تلبية حاجاته على أكمل وجه من الناحية الجسدية أو العاطفية كأن نشعره بعاطفتنا نحوه ، وأن نجيبه على مختلف أنواع الأسئلة التي يطرحها علينا كي نساعده على التعرف على أمور الحياة ، كما أنه علينا أن نربي في نفسه الإرادة فنأخذ رأيه مثلاً في بعض الأمور من أجل تعزيز شخصيته وتجنب الصدام معه ، وأن نترك له فرصة الخيار في بعض الأمور المتعلقة به مثلاً كأن يختار بين صنفين أو ثلاثة من الطعام بدلاً من إلزامه بصنف واحد قد لا يعجبه فلا نكسر إرادته ولا يلزمنا برأيه ، ومن الضروري التحدث إليه بصوت هادئ لأن الصراخ قد ينفره من تنفيذ الأوامر .

يجب أن يتعلم الولد تنفيذ أوامر والديه ، وتدعو الكاتبة سعاد حسين إلى تدريب الطفل على تنفيذ الأوامر بدءاً من الأمور الصغيرة وصولاً إلى الأصعب منها وفقاً لقدرات الولد ، وتشجيع الطفل عند تنفيذه للأوامر والثناء عليه من أجل تحفيزه لإعادة الكرّة . ويعطي الدكتور صالح الرفاعي بعض الإرشادات التي يمكن الاعتماد عليها مثل : العمل على فتح باب التحاور مع الطفل واستطلاع آرائه بالأمور التي تواجهه، الملاحظة اليومية لمتغيرات السلوك التي يمارسها الطفل ، تهيئة الأنماط السلوكية المرغوبة ودراسة مدى تقبل الطفل لها مع مراعاة أهمية تحليل ومعرفة أي عزوف عنها أحياناً ، معرفة العوامل الداخلية المؤثرة سلباً على سلوك الطفل والعمل على تحييدها ، العمل بواقعية الملاحظة والابتعاد كلياً عن الظن الذي يخلق لنا صوراً وهمية لا تتفق مع الإرشاد.

ويجمع الخبراء على ضرورة وجود لغة حوار بين الطفل وأمه ، على أن يبدأ هذا الحوار منذ الولادة ويستمر في تطور مطّرد تتابع فيه الأم نمو ولدها الفكري وتبني معه صلة وصل للمستقبل ، لأن الطفل الذي لا يعتاد الحديث إلى أهله قد يجد صعوبة بالغة في سن المراهقة بالتعبير عن تساؤلاته وعن مشاعره التي ستتكاثر عليه في مثل هذا السن وسيكون من المفيد له أن يكون مرتبطاً بأهله بشكل وثيق خاصة عن طريق الحوار .

من الضروري الالتفات إلى أمور تربية أطفالنا فهم محور سعادتنا ، ونتاج آمالنا وعالم مستقبلنا .

ماجدة ريا

عدد الزوار:2283
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.