هل نضرب الصغير؟

طفل يبكي

ماجدة ريا :
هل نضرب الصغير؟
ـ يقول البعض إذا كان ضرب البالغين خطأ فإن الأَولى أن يكون ضرب الصغار أكثر خطأ لأنهم غير قادرين على حماية أنفسهم، بالإضافة إلى أن الضرب يجعلهم ينظرون نظرة تشاؤمية وغير واثقة للأمور.

على قسمات وجهه البريء ارتسمت علامات التحدي، يرمق العالم من حوله بنظرات هي خليط من القلق الممزوج باستطلاع ردّة فعل الأشخاص، وهل أن أحدهم سيرفع يده ليضربه؟ فهو يتعرّض للضرب من قبل أقرب المقربين له، وأحبهم على قلبه وهم أمه أو ربما أباه.
على الرغم من شدّة صغر سنّه، فهو يُضرب على يده أو على قفاه أو يُسقط عليه أي من تلك الحركات التي تعتبر ضربات تأديبية، بينما هو يتلقّى كل ذلك بعجز تام، فإمّا يخضع خوفاً، أو يتمرّد ومن ثم لا يجد أمامه سوى خضوع قسري، لا يُكسبه قناعة، وربما في أغلب الأحيان لا يستوعب لماذا ضرب بهذه القسوة.

وفي كثير من الأحيان يتعامل الأهل مع الطفل على أنه ممنوع عليه الخطأ، وإن أخطأ يعاقب كي يكون كما يريد له الكبار أن يكون، فلا يعود طفلاً يسير في طريق الطفولة التي تحتاج إلى رحابة صدر، وطول بال في تقويم سلوكها، وتربيتها، وتفكيك الأمور السلوكية المعقّدة دونما اللجوء إلى الضرب كأداة للتربية.

والمقصود بالضرب هنا هو الضرب المعقول وليس الضرب العنيف، الذي يُقصد به إيذاء الطفل، ومثل هذا الأمر موجود في المجتمع، وهو يُعبّرعن معاملة سيّئة يُعامل بها الأطفال من قبل ذويهم الذين يكونون عادة سيّئي الطباع.
أمّا ما نتحدّث عنه الآن فهو الضرب الذي يُعتبر مقبولاً من شريحة كبيرة من الناس الذين يظنون أن تربية الطفل لا تكون إلا من خلال ضربه عندما يُخطىء، كي لا يتجرّأ على ارتكاب مثل هذا الخطأ مرة ثانية، ظناً منهم أن خوفه من تأنيبه بالضرب سيجعله كما يريدون، ولكن هل فعلاً يحدث ذلك؟ وهل أن ضرب الطفل يعصمه عن تكرار الخطأ؟
ومن هنا يطرح السؤال المهم الذي هو:” هل أنّ ضرب الطفل من أجل تربيته يعتبر أمراً صائباً؟ وهل يوفّر للأهل النتيجة المرجوة؟” خاصة الطفل الذي هو دون السبع سنوات.

يرى التربويون أن ضرب الطفل غير ذي جدوى، بل على العكس من ذلك هو يؤدي إلى آثار نفسية سيئة لدى الطفل قد لا تُمحى بسهولة وهو يشعر بعجزه أمام يد كبيرة تصفعه أو تضربه، وتترك بصماتها على كل حياته المستقبلية، ولذا يرفضون مبدأ الضرب رفضاً قاطعاً، ويضعون عدداً من الأساليب التي يمكن أن تكون أكثر نفعاً وتأثيراً في تأديبه وتربيته.

وقبل كل أولئك التربويون، كان المعلم الأول والخبير الأكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد حسم هذا الأمر بالنسبة لمن هم دون السابعة من العمر ولأي سبب من الأسباب، إذ يقول في الحديث الشريف: “اتركوه سبع وأدبوه سبع،…” هذا يعني أن الولد الذي هو دون السابعة يجب أن لا يحاسب، ولعل الحساب هنا يعني المعاقبة، أي يجب أن لا يعاقب، بمعنى أنه يجب أن لا يقوم أحد بإيذاءه، أو بضربه وهذا لا يعني أن لا نشرح له الصواب من الخطأ، لأنه في عمر غير مدرك للأمور، ويتشكل إدراكه للأمور من خلال ما ينشأ عليه.
في البلدان الغربية، هنالك قوانين صارمة بحق كل من يعتدي على الطفل بضربه في المدارس، والبعض من هذه البلدان يفرض قوانين صارمة حتى على الآباء والأمهات في تربية أبنائهم، ومنعهم من ضربهم داخل بيوتاتهم.

وهناك دراسة أجرتها جمعية حماية الأطفال من القسوة، إن هناك حاجة لقانون واضح لحماية الأطفال حتى في المنزل، ومثل هذا القانون غير موجود في بريطانيا، إذ يطبق فقط في المدارس، وتعمل الجمعية من أجل إيجاد مثل هذا القانون.
رغم ذلك نجد أن هنالك بعض الأشخاص الذين لا يعارضون التأديب الجسدي ويعتبرون أن وطأته قد تكون أخف على الطفل من الأساليب الأخرى التي قد تؤذي نفسيته أيضاً، من هؤلاء نورمان ولز- من جمعية العائلة والشباب في بريطانيا.
ومثل هؤلاء الأشخاص ما زالوا موجودين بكثرة في مجتمعاتنا، ومنهم من لا ينظر أصلاً في الوسائل الأخرى لأنهم مقتنعين أن تربية الطفل يجب أن ترتكز على تأديبه بالضرب إن أخطأ، وأنه يجب أن يكون للأهل سطوة ومهابة يخشاهما الطفل معتبرين أن الضرب هو الذي يؤمن لهما ذلك، رغم أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، وأن الأهل الذين يضربون أطفالهم سيما الصغار منهم هم الذين يفتقدون لهيبة الكلمة الفاعلة التي يمكن أن تؤثّر في الطفل بعيداً عن ضربه.

فإذا ما أخذنا عيّنة من الأطفال الذين يضربون من قبل آبائهم أو أمهاتهم داخل مجتمعنا سنرى أن هؤلاء الأطفال هم الأكثر شراسة في التعاطي مع الآخرين، اذ تراهم غالباً ما يلجؤون إلى ضرب الأطفال الأكثر هدؤءاً واتزاناً، أو يضربون من هم أصغر منهم سناً من دون سبب، فقط تماهياً بأهلهم الذين يضربونهم، أو ربما انتقاماً لعجزهم وضعفهم عندما يُضربون من قبل أهلهم، يضربون عندما يستطيعون ذلك ليقنعوا أنفسهم بأنهم ليسوا عاجزين.

وإذا ما استمرّينا في مراقبة سلوك هؤلاء الأطفال سنجد بأنهم لا يلتزمون بكلام أهلهم، واذا أطاعوهم للحظات تحت وطأة التهديد أو الضرب، فإنهم سرعان ما ينفلتوا من عقال ذلك بأقرب فرصة، لأن تنفيذ طلبات الأهل التي تتحول إلى ما يثشبه الأوامر ارتبط بذهنهم بالضرب، وليس بالحوار، أو بأسلوب يشرح لهم مضار الأشياء وكيفية تفاعلهم معها، فيشعرون أنهم مكرهين دائماً على ما يجب أن يفعلوه.
لذلك يبقى هؤلاء الأطفال أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء من الأطفال الذين يعاملون برقة وحنان، لأن المعاملة الطيبة للطفل تُشعره بالأمان، فتُكسب شخصيته الإتزان والإقبال على السلوك الحسن برغبة كبيرة بعيداً عن جو التعنيف والخوف.

كل الأطفال يخطئون، وتصدر عنهم الأفعال التي قد تغضب الكبار، لأنهم غير مدركين لتصرفاتهم وإن بنسب متفاوتة، وجميعهم يحتاجون إلى التدريب وبث الوعي فيهم، ويحتاجون إلى صدر رحب يستوعبهم، ويصبر على ما يصدر منهم من أفعال، على أن تتوقف الأم أو الأب عند كل فعل لشرحه وتفصيله للصغيرواستخدام مختلف الوسائل الهادئة التي توصل إليه الهدف دونما ضربه أو إيذائه، وأياً يكن من سبب يجب أن لا يُضرب هؤلاء الصغار، خاصة الذين هم في سنيهم الأولى، أياً يكن الفعل الذي صدر عنهم.
إن أهم ما في الأمر هو استيعاب الأهل لمدى قصور المعرفة لدى أبنائهم والعمل على الإرتقاء بهذه المعرفة بأسلوب حواري هادف وحنون، يصل معه هؤلاء الأبناء إلى بر الأمان.
كتبت بتاريخ 4/11/2008

عدد الزوار:3058
شارك في النقاش

2 تعليقان
  • أهلا بك أخي الكريم محمد
    نعم يجب أن نحافظ على الصحة النفسية والجسدية للطفل، ونتعامل معه بلين ورفق وتوعية وإرشاد.
    شكرا لمرورك الكريم ودمت بخير

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.