“ويسألونك عن الروح قل هي من علم ربي” ، هي ذلك العالم الواسع اللا محدود، وهي علّة هذا الوجود، تأسرنا، أو تحلّق بنا في فضاءات لا تنتهي، تأخذنا حيث تشاء، أو نأخذها حيث نشاء، تحتاج إلى الغذاء والدواء، أكثر من أجسامنا، فالنبي عيسى عليه السلام يقول: ” ليس بالخبز والملح وحده يحيا الإنسان” لأن حياة الجسد لا تنفع من دون حياة الروح، وإذا لم نهتمّ بها، فإنّها ستغدو عليلة سقيمة، بائسة يائسة، وهذا كلّه يؤثّر على صحة البدن الذي تسكنه.
أن نهتمّ بجسدنا شيء جميل، أن نعتني بطعامنا وشرابنا، بلبسنا وهندامنا، أمر مطلوب، لكن إن غلب هذا على اهتمامنا بأرواحنا فسرعان ما سيذبل هذا الجسد، وسيذوي، إن كنا سنعيش فقط لنأكل ونشرب ونبني الحجر، سنصل إلى يوم ننتظر فيه الموت ونخشاه، أما حياة الروح فإنها كلما اهتممت بها أكثر كلما تألّقت، لن تخشى حدود العمر، لأنها باقية حتى بعد الفناء.
وسبل تغذية الروح متشعّبة ولا تقف عند حدود، بدءاً من تلاوة القرآن والذكر والدعاء، وصولاً إلى طرق أبواب المعرفة بكل السبل، والغرف من مناهل العلم التي لا تنضب، ويكون الأول تهذيباً للثاني.
فذكر الصلاة على محمد وآل محمد، فضلا عن الأجر الذي يحصّل منها، لها العديد من الحسنات، أهمها أنّها تنير القلوب، وإذا اهتدى القلب، تفتّحت البصيرة، وانجلت النفس لتعرف في أي غمار تخوض، وأبعدت عنها مهالك الشيطان ومفاسده، وسارت على هدى من ربّها بإذنه.
وهكذا تتكامل العلوم الإلهية مع العلوم الدنيوية، كلاهما يحتاج للآخر حتى نصل إلى مرحلة تهذيب النفس، تلك النفس التي قيل عنها : “إنّها لأمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي” ، ومشوار تهذيبها يطول بطول العمر، فيجب أن لا تترك على هواها، وإنما أن تسعى دائماً في الإتجاهين المتكاملين، سلوك درب العلم بالإتجاه المؤدي إلى الله سبحانه وتعالى، وسنكتشف.. إنّ الله موجود في كل ما نتعلّمه، وكلّ ما ندركه، وفي مختلف العلوم.
كيف لا؟! وكل العلوم حتى المكتشف حديثا منها مذكور في القرآن الكريم، كتاب الله، ومنه ينطلق العلم والعلماء، أو يجدون كل اكتشافاتهم قد ذكرت فيه، فأينما سرنا، وكيفما اتجهنا فثمة وجه الله، فلنكن من أولئك الذين تتكامل علومهم، ولنكن مدركين أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد.
ماجدة ريا