طلب العلم
هل الواجبات الدينية هي التي تقرّبنا من الله؟! فقط ! وهل هي التي ترفع درجتنا عنده؟
هل يكفي الشخص حتى يقال عنه إنّه متّديّن ومتقرّب من الله وكثير الإيمان أن يكثر من الواجبات الدينية وحسب؟
كثيرة هي الأمثلة التي تفيدنا أن الأمور الشكلية وحدها لا تكفي، وقد يأتي المرء بالواجبات (من صلاة وصوم وحج و…) ويزيد بالمستحبّات ( كالصلاة في المسجد وصلاة الليل والقيام والصيام وكثرة الحج و…) وعندما تأتي إلى حياته وتعامله، تروادك الكثير من الأسئلة، مع العلم أنه يقال إن “الدين معاملة وأخلاق”، ونرى في حياتنا اليومية نماذج مختلفة لهذا الأمر، وبدرجات متفاوتة عند الأشخاص بحسب إدراكهم ووعيهم وعلمهم، وقد تجد إنساناً بسيطاً يأسرك بتعامله وأخلاقه وإنسانيته، وآخراً يتّخذ من سلوكه الظاهري سبيلا للإستعلاء، او استصغار البعض الآخر على أساس قياس خاطىء هو يعتبره ميزاناً!
ليس المقصود ترك الواجبات ولا الإستغناء عن المستحبات التي تساعد على تنقية الروح وجلائها من أدران هذه الدنيا. على العكس بل هي من صلب الدين. ولكن الكثير يغفل عن الكثير من الأمور الأخرى التي تؤدي إلى بناء إنسان عظيم، معتقدين أن إتمام هذه الأمور كاف للإرتقاء بهم إلى أعلى المراتب، وتستشعر منهم أنّهم يصنّفون أنفسهم كذلك، حتى عيونهم قد تنطق بهذا الأمر، وإذا دخلت في حياتهم استوقفتك الكثير من التساؤلات، ويظهر لك مدى الحرص على المال والمركز وغير ذلك من الأمور الدنيوية والحياتية، ويحرصون على إظهار إيمانهم وتديّنهم، وعلى رسم صورتهم أمام الناس، على أنّهم أفضل من أتمّ الواجبات والمستحبات…
بمعنى آخر، لم يخرج حب الدنيا من دواخلهم وبدرجات متفاوتة، لعلّ أعلى مراتب الإيمان هي تلك التي تحدّث عنها القرآن الكريم بقوله في سورة الواقعة ” أولئك المقرّبون، في جنّات النعيم، ثلّة من الأولين، وقليل من الآخرين”، قلّة هم الذين يصلون إلى هذه المراتب من تهذيب النفس، إلى درجة يصبحون معها قادرين على مثل هذا الإرتقاء؛
وأولى الدرجات هو العمل على إخراج حب الدنيا من القلب، كي يستطيع القلب أن يكون متعلّقا بحب الآخرة، والسعي للوصول إليها، فلا يعيق ذلك أية حواجز دنيوية، لأنها ما عادت تساوي بالنسبة له شيئاً. ‎
وعندما يخرج حب الدنيا من القلب، يرتفع المرء عن الأرض، فما عادت الأرض تجذب روحه، ولا تؤثر عليها. وعندها، كلما ازدادت تلك العبادات والمستحبّات كلما ارتقى المرء بروحه، حتى تبلغ مرتبة لا تطيق معها البقاء على الأرض المحدودة، فتستدعى من رب السماء، كذلك هي حال الأولياء والصالحين وبعض الشهداء الذين يميّزهم الله سبحانه وتعالى ويجتبيهم بفضله.
ما الذي يساعد على الإرتقاء؟
العلم الذي يجب أن يترافق مع هذه العبادات، وكثيرة هي الأقوال الواردة حول العلم والعلماء، نذكر منها:
“فضل العالم على غيره كفضل النبي على أمته”
“العلماء ورثة الأنبياء، يحبهم أهل السماء، ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة”
ليس بوسع أي فرد أن يكون عالماً، لكنه بكل تأكيد يستطيع أن يبقى متعلماً، والعلم لا يحده شيء، فهو مطلوب من المهد إلى اللحد كما أوصى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أي منذ الولادة إلى أن ينقضي العمر. والتعلّم لا يكون بالضرورة تعلّماً أكاديمياً، وإنما عن طريق تثقيف الذات، والبحث عن العلوم من أي منبع يفي بالغرض، وهنا نذكر ما قاله رسول الله (ص) في حق طالب العلم:
(من سلك طريقا يلتمس علما سلك به طريق الجنة)
(ان الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا وينجو العالم منها بعلمه)
(ان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم). ‎
لكن للأسف نرى الكثرين يكتفون بقدر ما، ويعتبرون أنّهم قد استكملوا كل أنواع المعارف، أو حصّلوا ما يكفيهم ليتموا كل تلك الواجبات، ويعكفون على تكرارها على أنّها سبيل النجاة.
التفكُّر هو مفتاح أبواب المعارف وخزائن الكمالات والعلوم، وهو مقدّمة لازمة وحتمية للسلوك الإنساني، وله في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة تعظيم بليغ وتمجيد كامل، وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: “أفْضَلُ الْعِبَادَةِ إدمانُ التَّفَكّرِ فِي الله وَفِي قُدْرَتِهِ”.
وفي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ”. وفي حديث غيره: “إِنَّ تَفَكُّرَ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةٍ”.
وقال الامام علي عليه السلام: (التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين.)
قال الإمام الصادق عليه السلام: (لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل.)
وقال عليه السلام: (من تعلم العلم وعمل به وعَلّم لله ، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً، تعلم لله وعمل لله وعلّم لله).
هذا يؤكّد أن القيام بالواجبات العبادية وحده لا يكفي، ولا بدّ له أن يقترن بالعلم والمعرفة والبحث والإطّلاع الدائم، بشتى المجالات حتى يستكمل المرء إنسانيته.
عندما يتّجه أفراد المجتمع نحو تثقيف ذواتهم بدأب واستمرار، ستتغيّر الكثير من الأمور؛ لا بدّ من تجديد النشاط في عقولنا بشكل مستمر حتى لا تضمر، فأي شيء يبقى على حاله يضربه الفساد، ومياه البحيرة إن لم يدخلها ماء جديد تصبح آسنة وغير صالحة للاستعمال، والدماغ عندما لا يتحرك باستمرار نحو البحث عن أي مستجد هنا وهناك سينكمش.
فالبحث عن العلم والمعرفة يبقى الخلاص والملاذ في الدنيا والآخرة.

ماجدة ريا ـ 26/1/2016

عدد الزوار:2254
شارك في النقاش

تابع @majidaraya

Instagram has returned empty data. Please authorize your Instagram account in the plugin settings .

ماجدة ريا

ماجدة ريا


كاتبة من لبنان تكتب القصة القصيرة والمقالات الأدبية والتربوية والسياسية.
من مواليد بلدة تمنين التحتا في سهل البقاع الأوسط عام 1968 . نلت إجازة في الحقوق عام 1993 من الجامعة اللبنانية، كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ الفرع الرابع
حاصلة على شهادات من دورات في التربية والتعليم وفقاً للمناهج الحديثة.
عملت في حقل التدريس أحد عشر عاماً.
كتبت العديد من المقالات والقصص القصيرة في جريدة العهد ـ الإنتقاد منذ عام 1996، وكذلك بعض القصص المنشورة في مجلة صدى الجراح ومجلات أخرى في لبنان.
وقد اختيرت العديد من القصص التي كتبتها لنشرها في موسوعة الأدب المقاوم في لبنان.
وكذلك لي مقالات نشرت في مجلة المسار التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان.
أحضر لإصدار مجموعة قصصية تضم عدداً من القصص التي تحكي عن الوطن والأرض.
لي مدوّنتان على الإنترنت إضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية والأدبية، ومشاركات واسعة في المنتديات الثقافية على شبكة الإنترنت.